بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد عباد الله، فاتقوا الله وأطيعوه، إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ ۗ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن : 16]
تمر فنلندا والعالم بموجة من هذا الداء الجديد المسمى بالفيروس التاجي الجديد كورونا أو كوفيد١٩، ومن المعلوم أن الأوبئة تمر بمراحل خمسة بحسب تصنيفات منظمة الصحة الدولية تبدأ من الصفر إلى الأربعة، بحيث يتم اتخاذ إجراءات معينة مع تقدم الوباء إلى المرحلة التي تليه. وقد كانت فنلندا حتى البارحة تمر بالمرحلة الأولى وانتقلت الآن إلى المرحلة الثانية كما هو الأمر في دول الشمال القريبة منا. وقد اتخذت الدولة توصية بإلغاء كافة الأنشطة التي يجتمع فيها ما يزيد عن خمسمائة شخص وأن يقوم منظمو أنشطة أصغر من تلك باتخاذ احتياطاتهم وتقدير الحاجة لإقامة هذه التجمعات وسبل الوقاية أثناءها وذلك حتى نهاية شهر مايو أيار. وكذلك فيما يتعلق بالقادمين من السفر ولمدة أسبوعين بأن يراعوا هذه الفترة بالتفاوض مع أصحاب العمل ومسؤولي المدارس ورياض الأطفال. وأوصوا باتباع التعليمات الصادرة حول السفر إلى خارج فنلندا وضرورته وتجنبه إن لم يكن له داع. وتخص هذه التوجيهات الجميع ولكن على الأخص كبار السن والمرضى وخاصة من انخفضت مناعته لداء مزمن أو دواء أو ما شابه ذلك. وهناك صفحات ومواقع على الانترنت وكذلك على مداخل البلاد للتعريف بهذا الأمر وسيتم ارسال المعلومات إلى كافة السكان باللغتين الرسميتين إلى منازلهم.
طبعاً هذه الإجراءات هي إجراءات مؤقتة وقد تتغير وسيتم الإعلان عن أي إجراءات فوق هذه إن اضطرت الدولة لاستخدام قانون الاستعداد والطوارئ ولكن لا حاجة بعد لهذه الإجراءات كإغلاق المدارس ورياض الأطفال ومؤسسات التعليم وغيرها. وكل هذه الإجراءات هدفها الحد من انتشار المرض بحسب المرحلة التي تمر بها البلاد. ومن المهم لهذا الحد من الانتشار أو تأخيره (وليس منع حدوثها فقد تجاوز الأمر ذلك) الالتزام بإجراءات الوقاية من عدم المصافحة والمعانقة وغسل اليدين لمدة عشرين ثانية والسعال أو العطاس في المرافق وليس في اليدين والالتزام بالحظر إن كان الشخص في الحجر الصحي مثلاً.
وقد كانت المجالس الإسلامية ومنها مجلس الأئمة الأوروبي وقبله المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث قد أصدرا الفتاوى والتوصيات للتعامل مع هذا الأمر تحسباً لحدوثه وقامت المساجد الكبرى في الدول الأوروبية المختلفة خاصة التي يزيد عدد روادها في الجمع والجماعات عن الخمسمائة شخص قد علقت صلاة الجمعة وأوصت بالصلاة في الرحال أي البيوت في حال المرض سواء كان الشخص متأكداً من إصابته بعدوى الكورونا أو بالانفلونزا مثلاً.
وهذه بعض التوصيات بهذا الشأن:
- مبادئ عامة فيما يتوجب على المسلمين، مؤسسات وأفراداً، في البلاد الموبوءة:
- اتباع تعليمات السلطات الرسمية والتقييد بها في إدارة شؤونهم الخاصة وشؤون مؤسساتهم ومساجدهم وهذا واجب شرعي والتزام وطني.
- التحلي بالصبر والتضحية في مجالات عملهم وخدمة مجتمعهم وخاصة العاملين في القطاع الصحي والخدمي آملين ثواب المولى عز وجل مستحضرين قول الرسول صلى الله عليه وسلم: أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس. وقوله: خير الناس أنفعهم للناس
- تسلح العلماء والباحثين المسلمين بالعزم والمثابرة للمساهمة في إيجاد علاج لهذا الداء، قال صلى الله عليه وسلم: ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء. وقوله: لكل داء دواء فإذا أصاب دواء الداء برأ بإذن الله وقوله: إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه وجهله من جهله.
- تجنب الإشاعات والأخبار غير الموثوقة وتقوية الصلة بالله تعالى وبعث الطمأنينة بين الناس والأمل بالفرج القريب بإذن الله عز وجل، فالأمر إليه أولاً وآخراً والأسباب لا تملك ضراً ولا نفعاً إلا بإذنه سبحانه وتعالى.
- الأخذ بوسائل الوقاية وتحصيل المعلومات العلمية الدقيقة، من غير هلع ولا جزع، وعلى من ابتلي بهذا المرض أو غيره أن يصبر ويحتسب أجره على الله، خاصة في الأوبئة فعن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يكون في بلد يكون فيه، ويمكث فيه لا يخرج من البلد، صابراً محتسباً، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد.
- يجب على من يشك في إصابته بمرض معد أن يتجنب المساجد وسائر الجماعات حتى يتيقن من سلامته ومن علم أو شك في مرضه وتسبب في مرض غيره بسبب إهماله فهو آثم مخالف لشرع الله تعالى. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. فالشريعة نهت عن الضرر والإضرار فلا يحل لمسلم أن يضر أحداً بقول أو فعل، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم من أكل بصلاً أو ثوماً أن يعتزل المسجد حتى لا يؤذي المسلمين بالرائحة فما بالك بمن يؤذيهم بنقل مرض قاتل ونشره بينهم:
- لا يجوز الخروج من البلد الذي انتشر فيه الوباء فراراً منه فعن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فراراً منه. ويشمل النهي المريض والسليم وهو متعلق بمقصد الفرار، فإن لم يكن فراراً ولم يخالف القوانين فلا حرج عليه.
- لا يجوز الدخول كذلك ولنفس السبب السابق إلى الأرض الموبوءة وتستثنى الضرورة والحاجة المتعلقة بمقاومة الوباء أو بطلب من سلطات رسمية
- يخضع تحديد حدود المكان الموبوء إلى السلطات الرسمية والجهات القائمة على مقاومة الوباء، فإن لم يوجد فيخضع إلى الحدود الجغرافية والعمرانية للمكان، فإن لم يوجد فإلى العرف السائد في البلد.
- إن حفظ النفس ووقايتها من الأذى والضرر إحدى كليات الإسلام، ومقصد عام من مقاصد التشريع، لذلك إذا غلب على الظن تضرر المصلين من اجتماعهم في المسجد أو زيادة انتشار الوباء في المدينة الموبوءة فيجوز إلغاء الجمع والجماعات إلى حين انجلاء البلاء وارتفاع الوباء، وقد أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث بياناً في ذلك. وكذلك الأمر في حالة الحج والعمرة إذا قرر الأطباء المسلمون ارتفاع احتمالات انتشار الوباء بواسطة تجمع الحج والعمرة. وبما أن هذا المرض يشكل خطراً على كبار السن والمرضى بأمراض مزمنة أو بنقص للمناعة فينصح بتجنب قدومهم إلى أماكن التجمعات والعدوى ما أمكن.
- يقر الإسلام الحجر الصحي في البيوت بل يجيز للقائمين على مواجهة الأزمات اتخاذ إجراءات استثنائية إذا غلب على الظن أنها مفيدة في مقاومة الوباء ومحاصرته. وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم السابقة فيها دليل وكذلك أمر طاعون عمواس حينما عاد عمر وأجاب أبا عبيدة بقوله نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو كان لك إبل هبطت واديا له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله. قال فجاء عبد الرحمن بن عوف وأخبرهم الحديث السابق الذكر. وهناك حديث لا يورد ممرض على مصح، يقرر لنا مبدأ الحجر الصحي كقاعدة مهمة في الوقاية من الأوبئة والحد من انتشارها.
- أما المتوفى وغسله فالأمر متعلق بالخشية من العدوى فإن تعذر الوقاية منها يمم أو كفن دون غسل ولا تيمم بعد اتخاذ إجراءات الوقاية اللازمة. لقوله تعالى: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر. وقوله: فاتقوا الله ما استطعتم.
- وأخيراً فمن منهج الإسلام في التعامل مع الأوبئة والوقاية منها تنظيمه لاستغلال الثروة وتحديد المباح والحرام ورعاية الرفق بالحيوان والإحسان إليه وكيفية الحفاظ على الأطعمة والأشربة بتغطيتها وغلقها. كما حددت الشريعة الغراء أهمية طهارة البدن والثوب بما حددته في العبادات وشروطها من غسل ووضوء وسنن الأكل والشرب ودخول الخلاء وغيرها من العادات اليومية الحسنة ونذكر هنا قوله تعالى: وثيابك فطهر والرجز فاهجر. إلى غير ذلك الكثير مما يشكل منظومة وقائية فعالة تحفظ على المجتمع صحته وأمنه وسلامته وتساعد على تجنب الآفات والأوبئة وكذلك التعامل مع الوباء إن وقع بدءاً من التهيئة النفسية واليقين بالله وأن ما أصاب من مصيبة فبإذن الله وأن ما أصاب لم يكن ليخطئ وما أخطأ لم يكن ليصيب متوكلين على الله حق توكله آخذين بالأسباب كما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- نذكر المسلمين بأمور إضافية:
- من وجد أعراض للمرض كالحرارة وأعراض مرض الجهاز التنفسي المشابهة لأعراض الانفلونزا، فعليه الاتصال بالأرقام التي حددتها مؤسسات الصحة ليتم توجيهه إلى كيفية التعامل مع الأمر وإلى أي مكان يتوجه.
- العناية بغسل اليدين وتجنب لمس الوجه والعينين والأنف والفم بعد لمس أسطح غير نظيفة وتنظيف الأسطح لمنع انتشار المرض
- إعانة المحتاجين المعرضين للمرض من خاصة الكبار في السن والعجزة والمرضى في أمور النظافة والتسوق ومراقبة حالتهم
- مع القيام بالاحتياطات والتأكد من وجود أطعمة كافية لتقليل التسوق والتعرض للعدوى فلا يجب الاحتكار أو المبالغة في الأمر.
- تجنب الاتهامات لمجموعات معينة أو الخوف منها بناء على المواقف المسبقة والعرقيات المعينة بأنها سبب انتشار المرض.